Translate

الأربعاء، 27 أغسطس 2014

ولد حمديت :مؤسس شهادة الكفاءة في موريتانيا تركي يهودي



في الحلقة الأولى من مقابلته مع السراج يتحدث الأستاذ محمد لكبيد ولد حمديت عن ذكريات متعددة من التاريخ السياسي والثقافي في موريتانيا ويستعرض المفتش العام السابق للتعليم في موريتانيا، ذكرياته مع السيل الذي دمر مدينة نواكشوط سنة 1950، ولاحقا ذكرياته في مدينة بوتلميت ضمن طلاب المعهد الإسلامي هنالك.

السراج : لنبدأ من السؤال التقليدي، سؤال الشخصية، كيف يستعيد الأستاذ محمد لكبيد بداياته الأولى مع المدرسة والدراسة؟


محمد لكبيد : بسم الله الرحمن الرحيم، أنا أيضا أرحب بكم، اسمي محمد لكبيد ولد محمدن ولد حمديت من مواليد نواكشوط – بشكل دقيق- سنة 1944، وبدأت الدراسة مبكرا لأنني أفصحت الكلام بسرعة، وبدأت منذ السنة الخامسة دراسة القرآن وحفظته في السنة التاسعة، على يد الشيخ محمد عبد الرحمن ولد آبا ولد جب.


كنا بدوا نتنقل بين الآبار القليلة في منطقة نواكشوط، كان نواكشوط حينها دورا لا تتجاوز 40 دار مبنية من الطين وكانت في موضع الإطفاء الحالي، قبل أن يجتاحه السيل.

السراج : هل تتذكر ذلك

محمد لكبيد: نعم لقد سجلته كان 16 دجمبر سنة 1950، وكانت الأسرة حينها عند الكلم 16 عند منطقة تسمي "وراره"، أما أنا فكنت مع أستاذي في نواكشوط يومها.

وكان السكان حينها حوالي 40 أسرة كما أسلفت، وقام الحاكم الفرنسي بنقلهم إلى منطقة " اعليب اللفاع" منطقة " فيراج الديك" حاليا، ومكثوا حينها سبعة أشهر، بعد أن تحطمت كل منازل السكان باستثناء منزلين هما منزل دار الحاكم مع بعض الخسار فيها، ودار المطار ويعرف حينها ب"العنكار".

وبعد ذلك بدأت إعادة الإعمار، ووزعت أراضي على السكان، كما عوضهم الحاكم الفرنسي مبالغ مالية تصل إلى 45 ألف فرانك فرنسي حينها للغرفة الواحدة، وقد تتعدد الغرف كما كان الناس يزيدونها طلبا للتعويض، وبدأ الإعمار بشكل سريع.

أما نحن سكان البوادي القريبة فقد استفدنا خاصية واحدة، وهي أن الآبار المالحة، أصبحت عذبة بفعل مياه الطوفان القادم من النهر السنغالي.

السراج : لاحقا ستستعد نواكشوط إرهاصات الاستقلال أين كنتم حينها؟



محمد لكبيد : كنت حينها في محظرة التاه بن يحظيه بن عبد الودود، عند موضع يسمى "اندومري"، وكان هنالك موقفان :


الموقف الداعم ل "نعم" وهي البقاء في دائرة الحكم الفرنسي، والمجموعة الثانية هي مجموعة "لا" المطالبة بالاستقلال، وأغلب المشايخ والعلماء وأصحاب النفوذ المستفيدين من الاستعمار صوتوا بنعم، وكان للمستعمر قوة سطوة يخاف منها ويطمع فيها.

السراج : حبذا لو حدثتنا عن هذه المحظرة ذائعة الصيت؟

محمد لكبيد : محظرة يحظيه ولد عبد الودود، محظرة ذائعة الصيت وقد تلقى شيخها يحظيه رحمه الله وساما من "الباي" التونسي بناء على اقتراح من وزير خارجيته حينها وقد درس عليه علماء كبار وانتشر صيت محظرته في الأقطار، وقد حاول الشيخ مم بن عبد الحميد رحمه الله، حصر عدد كبير من طلابه، فأحصى منهم 43 تصدروا عليه من بينهم الشيخ أحمدو ولد فتى ومحمد عالي ولد عدود وغيرهم من العلماء في مثل قوله:

وقد تصدر عليه جم مثل أبي وابن فتى ومم

والتاه نجل شيخنا المفدى وأحمد الكمليلي نجل كدا

محمد نجل محمد النابغة بحكم عنه تولى بالغة

وغيرهم من من يضيق الصك عنه ويعيى بالعديد الفك

وبعض الباحثين الآخرين أوصلهم إلى أكثر من مائتي فقيه، وقد أدركت من طلابه محمدن بن أبي ولد حيمود، والشيخ سيدي أحمد ولد الشيخ المعلوم، وقد زرت بعض تلاميذه مثل محمد عالي ولد نعم العبد المجلسي، ومحمد سالم ولد ألما ومحمدن ولد محمد النابغة ولد حبيب الرحمن وذلك بعد أن أصبحوا شيوخ محاظر.

وفي دراستي هنالك، كان منهج الشيخ اتاه رحمه الله أن يبدأ التدريس مع الصباح، حيث يدرس ماشيا، ويتبعه الطلاب، سواء طلاب "الدولة"، أو الطلاب المفردين، ثم يعودون للتكرار تحت الأشجار أو في أعرشتهم.

وكان الإقبال على المحظرة يتفاوت حسب الأزمنة، ونميز حينها بين الطلاب الثابتين، و" لخرافة" وهم الطلاب الذين يفدون على المحظرة فترة الخريف، إضافة إلى مجموعة أخرى من الطلاب الذين يمارسون التجارة في السنغال وغامبيا وكانوا يأتون في عطلة الخريف للدراسة.


السراج : ما نظام دراستكم في محظرة أهل يحظيه؟


محمد لكبيد : ككل قادم إلى تلك المحظرة بدأت بدراسة المعلقات والشعراء الستة إلى أن أمرني شيخي اتاه رحمه الله بالانتقال إلى النحو ،حيث درست هنالك الألفية بحواشيها وطررها وشواهدها وكنت أحفظها حفظا جيدا، ورغم أنني درستها بعد ذلك في القاهرة إلا أن دراستي لها في المحظرة كانت الأجود والأهم.



السراج : بم تفسرون هذا الشغف في منطقتكم بالشعر واللغة؟


محمد لكبيد : يتزايد هذا الشغف بشكل كبير في منطقة اترارزة فيما يتعلق بالشعر واللغة، ويكثر المتخصصون في النحو ومعارف اللغة العربية بشكل دائم في هذه الولاية، وعلى هذا يتأسس مصطلح " الفتى" والفتوة ،وهذا المصطلح الذي بات غريبا على شباب هذا العصر يتأسس على الأدب بشكل عام والمعرفة النحوية، والبراعة الشعرية، وكذا أن يكون " مفتوحا" في "ظهور" أزوان، وأن يكون فوق ذلك " امغني" متقنا للأدب الحساني، وأن يكون إلى ذلك أيضا " ركاب " للخيل إذا كان في منطقة خيل وللإبل في مناطق أهل الإبل، وأن لا يكون بخيلا ولا متعاطيا لما يسقط المروءة، وبهذا تكتمل خصال الفتوة ويستحق الشاب لقب الفتى.


وعلى كل فالمحاظر التروزية توزعت معارف اللغة العربية بشكل متزايد، حيث توزعت التخصصات بشكل كبير في كل المحاظر.

السراج : بم تفسرون انتشار اللهجة الأمازيغية في هذا الوسط المتعرب؟


محمد لكبيد : أظن أنه اهتمام خاص بالتقاليد والعادات، والحفاظ على اللغة الحاضنة لهذه التقاليد وإلى سنوات قليلة فإن مناطق عديدة من منطقة اترارزة لم يكن من الأدب فيها أن يكلم الشاب من هو أسن منه بالحسانية، وإنما يكلمه ب"اكلام آزناكة" جريا على مقتضيات الأدب السائد.


ولحد الآن لا تزال توجد مجموعات لا تتحدث إلا باللهجة الأمازيغية، كما هو الحال بالنسبة لقبائل "المثلوثة"،(ادكباله، وانديج كرار، وإجواج) لا يزالون يكلمون أبناءهم باللهجة الأمازيغية.



السراج : متى انتقلتم إلى الدراسة النظامية




محمد لكبيد : في فاتح أكتوبر سنة 1960، علمت بمعهد بوتلميت وأنه مدرسة حديثة جديدة، فيها دراسة عصرية فقررت الانتقال إليه،وبعث بعض البقرات التي كنت أحلب وذهبت إلى بوتلميت.


السراج : هل استأذنت الأسرة في ذلك؟



محمد لكبيد : لا لم أستأذن، فأنا أمتلك مستوى من الانفراد بقراري، ثم إن الاتصالات كانت معدومة، وبعد ذلك لاحقا أرسلت لهم رسالة مع الأخ باباه ولد عبد الله ولد متالي رحمه الله، وقد جئت حينها إلى الشيخ عبد الله ولد باب ولد الشيخ سيديا وقد أولاني اهتماما خاصا.


والمعهد لمن لا يعرفه هو معهد دولي إقليمي أنشأته فرنسا سنة 1947، وقد كانت ميزانيته وتجهيزاته بيد أهل الشيخ سيديا ترد مباشرة من وزارة التعاون الفرنسي دون أن تصل إلى الحاكم الفرنسي ولا إلى السلطة بعد الاستقلال.

وظل يمارس دوره العلمي حتى 1962، حيث أممته السلطة الجديدة، وحينها بدأ يفقد دوره، وكذلك كل مؤسسة أهلية اقتربت من الدولة لا بد أن تفقد هويتها وأخلاقها ودورها، والمحظرة خير شاهد على ذلك.

وقد كان مفتش التعليم حينها شخصا غريب الأطوارف هو يهودي الديانة تركي الأصل، لبناني الجنسية، يسمى عكاري نسبة لعكاراللبنانية وهو أول من أنشأ "العكارية" وهي شهادة الكفاءة في التعليم العربي، وكان حينها مفتشا للتعليم



السراج : من تذكرون من الأساتذة حينها؟




محمد لكبيد : أذكرهم جميعا، منهم محمد عالي ولد عدود ومحمد يحيى ولد عدود، والدنبجة ولد معاوية، واسحاق ولد محمد ولد الشيخ سيديا، وأحمد ولد المختار ولد داداه، وأحمد ولد مولود ولد داداه، وشاعر الجمهورية محمد عبد الرحمن كان يدرس السيرة النبوية، وقد كان يلقي دائما قصائد في المهرجانات التي تقام في بوتلميت ولذا أطلق عليه شاعر الجمهورية.


وكذا محمد ولد أهلو ولد الشيخ سيديا كان يدرسنا الفرنسية، وأظن أن هؤلاء هم الأساتذة، وحسب علمي فإن هؤلاء قد غادروا عالم الحياة رحمهم الله وتقبل منهم.



ولاحقا سيأتي المدرسون الأجانب، وكان المدير الرسمي هو الشيخ عبد الله ولد الشيخ سيديا، أما المدير الفعلي فقد كان اسحاق ولد محمد ولد الشيخ سيديا، وكان المراقبان : حمادي ولد الأمير، وحيدي.




وأذكر من زملائي هنالك باباه ولد عبد الله ولد متالي رحمه الله والمختار ولد باباه، وأحمد ولد بياه رحمه الله كان من المتفوقين، والسفير السابق عبد الله ولد الغزالي، وحنود ولد عدود وأحمدن ولد الوقف وابوه ولد محمد اطفيل.


السراج : ستبدأ السياسة تدخل بقوة إلى المعهد كيف كان ذلك؟



محمد لكبيد : لم تكن السياسة بمعناها الطبيعي، متداولة في المعهد، وكان هنالك بعض الشكاوى من أن المعهد لا يوفر للطلاب كل ما ينبغي والبعض كان يفسر ذلك تفسيرا جهويا ويطالب بنقل المعهد من بوتلميت إلى مدينة أخرى.


والإدارة من جهتها كانت في قمة السخاء، حتى إننا كنا نحصل على ذبيحة لكل طالب في العيد، لكنها لم تكن إدارة فنية بل كانت مجموعة من الشخصيات العلمية التقليدية.



السراج : ماذا عن هذا الزعيم عبد الله ولد الشيخ سيديا وعلاقته بالسلطة الجديدة، سلطة المختار ولد داداه؟


عبد الله ولد باب ولد الشيخ سيديا،وشيخنا ولد محمد الأغظف بالبذلةمحمد لكبيد : الأمر يتعلق بمستوى آخر أكبر من المعهد، يتعلق بالدولة، فكما تعلم فإن أسرة أهل الشيخ سيديا أسرة علمية وسياسية قد لا يوجد لها مثيل في موريتانيا في الكرم والسيادة،وبعد حصول المختار ولد داداه على "الليصانص" في القانون وبدأ يتحدث عن بعض التجديد والتغيير منعوه من دخول بوتلميت ولم تستطع طائرته الصغيرة الهبوط في بوتلميت.

وكان المختار رجلا هادئا جدا، ولما توطدت أركان حكمه بدأ يواجههم، حيث ألغى الإعفاء الضريبي الذي كان يتمتع به أهل الشيخ سيديا والآلاف من القبائل التي تتبع لسلطتهم الروحية، وتضع ميسمهم على الحيوان.

ثم أمم المعهد وبعث له مديرا هو أحمد ولد ممود الذي ينحدر من مقاطعة تجكجة،وبالتالي كان الأمر إقصاء كاملا لأهل الشيخ سيديا عن المعهد.

السراج : بنظرة تربوية ماهي سلبيات وإيجابيات هذا القرار؟

محمد لكبيد : كل مؤسسة تربوية عتيقة تقترب من السلطة والإدارة تفقد هويتها وطبيعتها، وقد تنال بعض الترتيبات الفنية، وبالنسبة للمعهد فإنه تراجع إلى إعدادية بسيطة، وبعض أساتذته ترشحوا مع الطلاب الذين كانوا يدرسونهم لنيل شهادة الكفاءة.


المصدر http://www.essirage.net/

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق