Translate

الخميس، 7 أغسطس 2014

الصنهاجية أو "اكلام ازناكَه".. لغة تختفي (نصوص أدبية)


 الصنهاجية أو "اكلام ازناكَه"




 الصنهاجية أو "اكلام ازناكَه" كما تعرف شعبيا، لغة ألفتها مضارب الجنوب الموريتاني، وكانت لغة رئيسية لبعض القبائل الموريتانية، باتت اليوم قبل أي وقت مضى مهددة بالاختفاء، نظرا لأن التراب وارت أغلب من كان يعرفها، والجيل الحاضر من أهلها لا تكاد تجد منه من يفهمها، حاشا أن يكون متقنا لها..

موطن الصنهاجية


بين ربوع إكيدي، وتلال الخط، ورمال العرية، وأودية العقل أرض ألفت اللغة الصنهاجية، ونسجت ثقافة وطنية لم تجد من يدافع عنها، بل إن معتزا بها من أهلها لا تكاد تجده.


ويقول الأديب والباحث التقي ولد الشيخ إن اكلام أزناكه كان اللغة الرسمية لسكان هذه الأرض، ما قبل قدوم العرب، لكن عوامل طبيعية جعلت بعضا من العرب، بل وبعض القبائل المنتمية للشجرة الشريفة تتحدث بهذا اللسان فيما بعد، ومن أهم تلك العوامل ـ يقول التقي ـ أن موسى ابن أبي العافية المكناسي المتغلب ببلاد المغرب وبفاس خاصة في أوائل القرن الرابع الهجري فتك بالأدارسة الأشراف، وشردهم، فخلعوا شارة الشرف وتسموا بأسماء غير الأشراف حفاظا على أرواحهم وخوفا واعتمادا لمذهب "تقية" دفعهم إلى البحث عن لغة مشفرة يتعاطونها بينهم بعيدا عن العيون والأسماع؛ وقد امتزجت المجموعات الإدريسية مع السكان الصنهاجيين سكنا ومصاهرة فأخذوا منهم لسانهم وبعض عاداتهم.


وسرد الشاعر التقي ولد الشيخ في حديثه لصحيفة "الأخبار إنفو" بعض العادات التي كانت تحكم المجتمع المتحدث باللغة الصنهاجية، وأبرزها أن من غير الأدب حديث الصغير للكبير بغيرها.


ويقول التقي إن الصنهاجية إلى حد ما لغة حديث بالنسبة للتندغيين، والحسنيين، وتاشمشه عموما، والديمانيين منهم خصوصا، وأجواج وبعض المجموعات الأخرى في ولاية الترارزة وللصنهاجة تقاطع كبير مع اللهجة الأمازيغية.


وفي شمال دولة مالي لغة قريبة منها، وفي المغرب "الأمازيغية" تشبهها نطقا إلى حد ما..


أكثر من كانوا يتحدثون الصنهاجية لا يحبون الظهور في الإعلام، إما نتيجة ثقافة اجتماعية، أو موانع أخرى قد يكون على رأسها أن المعتزين بها قلة. 


  

الأديب والشاعر التقي ولد الشيخ
  

"الأخبار" تحدثت مع من كان يتحدث بها، لعل ما يجمعهم أن يوما من هذه الدنيا مر عليهم ولغتهم الرئيسية هي الصنهاجية، وأنهم الآن لم يعودوا يجدون من يأخذ لهم طرف الحديث بها.

حاجز رقيق ذلك الذي يمنع جيلها الأول أن يعتز بها، وهو الظلم الثقافي والرسمي الذي مورس عليه، كما أن أغلب المجتمع الموريتاني يعتبر الكلام بها نقيصة..


يتذكر بعض من تحدثت لهم "الأخبار" في صغره أيام كان الآخرون يتناجون عنه بالحسانية، لأنه لا يعرف إلا "اكلام ازناكه" رغم أنه من أهل القرآن.


يروي أحد من تحدثت معهم الأخبار ورفض الكشف عن اسمه قصصا متنوعة عن الصنهاجية، يتذكر كثيرا ذات عشية كان مع مسنة من أهل الحي يتحدثان في السيرة، ويجولان في قصص العرب، ويتذاكران "أم اروايات" باللغة الصنهاجية دون أي مانع..


يردد التحية: "تَأْكْ اشْكنّونْ" ومعناها كيف حالكم..


يحن كل من تحدثت معهم الأخبار لتلك التحية، وهي بالنسبة لكثيرين مرتبطة بأفراد كانوا مقربين، حيث إن التحدث بالصنهاجية مع بداية اختفائها بات حكرا على من تجمعهم قرابة ملاصقة.


نصوص أدبية


سطرت اللهجة الصنهاجية نصوصا من الموزونين "لغنا" و"الشعر"، واستطاع شعراؤه أن يستوعبوا بمخايلهم الواسعة، وثقافتهم المطلعة ما استطاع الأدبان الآخران تسطيره في اللغتين، الفصيحة والشعبية.

يقول أحد الدارسين في الأب في حديثه إن كافا واحد توجد له عشرة "الطلع مظايره اعليه"!.


يضما وذن أفشش نزر *** تدري كم يدر وهذيه

أجيذي هك أج ادر وأر *** يدر ييه يدر كهيه

يدر هذاذا أنتروا شار *** اغمن هيان اغمن تتجيه

أأغمنني أأفش نزر *** أكمت ربيه تمت تتشن أدر


الترجمة الإجمالية:


الولد يظن أنا نلاحظ عليه "أمورا طرأت عليه في نادينا" لكن غير ذلك ملاحظتنا، ولا نلاحظ عليه أنه أصاب أسدا ولا ذئبا ولا غيرهما، إنما نلاحظ عليه أن أباه قتله الجوع، وأمه لا تلبس ما تستر به عورتها!.

ويقول آخر:


أيلي نكني نمذكي *** أفشنك أذكي نمي

أذا انوكي ككي ينشكي *** وذ نتتر أذا نوكي

ذك تأوذنك ورن اشظش *** كرظ أكظ شمش شظش

ولي تضن أنا شظش *** أضن أك اشركي تتي

نمي نحيى أدك أظش *** نكي ذورك أذكي نتي


والترجمة الإجمالية:


يا ألله نحن متوجهون إليك، ومنصوفون إذا في توجهنا إليك.. وما نريده عندك، فلتعطه لنا، نحتاج لك في المنام، وفي الاستيقاظ، ولا نريده من سواك.



ومما قيل على شاكلة الموسيقى الشعرية العربية:




إن الشباب الذي تنتكن نوبته *** تنتكنا وار نمر عن تذكاره نني


أيام إذ نجتني لكلي نجمعها *** حمرا وإذ نجتني تؤكيجذن شكني

الأبيات للشاعر الكبير امحمد ولد أحمد يوره، ومعناها الإجمالي أن الشباب الذي مضت فترته مضت دون أن نمل منه، لم نمل من تلك الأيام التي نجني بها "لكلي" ـ وهي نوع من النبات أحمر ـ بألوان مختلفة.


لعل الحنين إلى الماضي، ورقرقات دموع حزينة، وكلمات قليلة هي ما بقي من اللغة الصنهاجية، ولعل جيلا عريضا من "الزوايا" كتب عليه التاريخ أن تكون لغة رسمية له، واليوم الصنهاجية كأنها تعيش ساعاتها الأخيرة، تعيش في سلف لا يبالي بها ورغما عنه!



أسباب الانحصار


ويرجع الأديب التقي ولد الشيخ سبب انحسار الصنهاجية لعدة عوامل أبرزها توحيد لغة الخطاب، وأن بعض المتكلمين بها يخيل إليه ـ جهلا ـ أنها دليل على بربريته.

ويضيف ولد الشيخ إنه لو كانت العلاقة بين المتحدثين بهذه اللهجة حميمية لما تركوها تذوب، وأن سبب تخليهم عنها أنها ليست في الأصل لغة لهم وإنما كانت لسانا صاهرا في حقبة معينة ولدواعي معروفة وأن الجهات الرسمية لا توليها أي اهتمام، خصوصا مع انعدام من يدافع عنها. ولعل أوائل المتكلمين بهذه اللهجة استشعروا عدم قابليتها للبقاء للأسباب الآنفة فراجت فيهم مقولة مفادها أن انقراض "اكلام ازناكه" مؤذن برفع القرآن الكريم؛ ولا يبعد أن يكون هذا محاولة من السكان الأصليين لإبقاء لسانهم متداولا بين مجموعات يعتز أغلبها بالانتماء للأرومة العربية.


ثقافة أصيلة في هذه الأرض، تتطاير ضحية لفقدان من يعتز بأنها هوية له، وجهات رسمية لعل التفكير فيها لم يأخذ حيزا من وقته..


فلعل الصنهاجية إذن؛ تسلك طريقا نفس الطريق الذي سلكته كثير من شعب الثقافة الشنقيطية.. 

 
الأخبار (نواكشوط) -تاريخ الإضافة: الإثنين, 02 حزيران/يونيو 2014 16:57
http://hexa37308.managedpro.de/  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق